من الطب الشعبي للمدن الطبية مسيرة التحول الصحي في المملكة

من الطب الشعبي للمدن الطبية مسيرة التحول الصحي في المملكة

لطالما كانت الصحة محور اهتمام المجتمعات، حيث حاول الناس عبر العصور إيجاد وسائل لمكافحة الأمراض والتعامل مع الأوبئة. في الجزيرة العربية، قبل توحيد المملكة، اعتمد السكان على الطب الشعبي الذي شمل التداوي بالأعشاب، والكي، والحجامة، والفصد، إضافة إلى الرقية الشرعية. كما كان الحلاقون يقومون ببعض الممارسات الطبية مثل ختان الأطفال وعلاج الجروح. لكن مع بداية تأسيس المملكة، شهد القطاع الصحي نقلة نوعية غيرت مسار الرعاية الصحية في البلاد.

الصحة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود (1925 - 1953م):

بعد توحيد المملكة، أدرك الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أهمية توفير الرعاية الصحية، خاصة للحجاج الذين كانوا يعانون من الأمراض المعدية. فبدأت الدولة في تنظيم الخدمات الصحية عبر إنشاء مصلحة الصحة العامة عام 1925م، والتي تحولت لاحقًا إلى مديرية الصحة والإسعاف، وكان مقرها مكة المكرمة، مع فروع في مناطق مختلفة.

اهتم الملك عبدالعزيز بمكافحة الأوبئة، فصدر نظام التطعيم ضد الجدري عام 1930م، كما تم استيراد الأدوية الحديثة، ومنها المضادات الحيوية التي ساهمت في خفض معدلات الوفيات. وبدأت المملكة في استقطاب الأطباء الأجانب لتحسين الخدمات الطبية، ومنهم الدكتور بول هاريسون، الذي ساعد في مكافحة الإنفلونزا الإسبانية التي انتشرت عام 1919م وأودت بحياة الآلاف.

كما تم إنشاء عدد من المستشفيات، مثل مستشفى أجياد بمكة المكرمة ومستشفى باب شريف بجدة، إضافة إلى مراكز صحية متنقلة لعلاج المرضى في المناطق النائية. وفي عام 1951م، شهد القطاع الصحي تطورًا كبيرًا بإصدار الملك عبدالعزيز مرسومًا بإنشاء وزارة الصحة، التي بدأت في تنظيم الخدمات الصحية بشكل شامل.

 

الصحة في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز (1953 - 1964م):

واصل الملك سعود -رحمه الله- مسيرة التطوير، حيث شهدت ميزانية وزارة الصحة ارتفاعًا كبيرًا، مما ساعد على إنشاء مستشفيات جديدة في مختلف المناطق، مثل مستشفى الرياض، مستشفى أبها، مستشفى بريدة، ومستشفى المجمعة. كما تم التوسع في إنشاء المستوصفات والمراكز الصحية، مما عزز انتشار الخدمات الصحية في جميع أنحاء المملكة.

شهد هذا العهد دخول المضادات الحيوية بشكل أوسع، مما ساعد في تقليل انتشار الأمراض المعدية، خصوصًا بعد دعم الدولة لبرامج التطعيماتضد الجدري والملاريا. كما تم بناء أول معمل لإنتاج اللقاحات في المملكة.

 

الصحة في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز (1964 - 1975م):

في عهد الملك فيصل -رحمه الله-، استمر التوسع في بناء المستشفيات، وتم إطلاق خطط صحية متكاملة تهدف إلى رفع كفاءة الخدمات الطبية، مع التركيز على تدريب الكوادر الصحية الوطنية. وتم تحسين البنية التحتية للمستشفيات، وزيادة أعداد الأطباء والممرضين السعوديين.

كما بدأ التعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث تم دعم برامج الصحة العامة، وتوفير اللقاحات، وإدخال تقنيات طبية حديثة في المستشفيات الحكومية.

 

الصحة في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز (1975 - 1982م):

شهد عهد الملك خالد -رحمه الله- تطورًا نوعيًا في الخدمات الصحية، حيث زادت الاستثمارات في قطاع الصحة وتم افتتاح مستشفيات حديثة مجهزة بأفضل الأجهزة الطبية، مثل مستشفى الملك خالد الجامعي ومستشفى الملك فهد بجدة.

كما تم إطلاق برامج لمكافحة الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، وزيادة الاهتمام بالتوعية الصحية للمواطنين. كما استمرت الحكومة في دعم قطاع الأدوية، مما ساعد في توفير الأدوية والمضادات الحيوية بأسعار مناسبة للمواطنين.

 

الصحة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز (1982 - 2005م):

شهد القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية قفزة نوعية خلال عهد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، حيث حظيت وزارة الصحة بدعم مالي كبيرمكّنها من تنفيذ خطط تنموية شاملة. تمحورت هذه الخطط حول تطوير البنية التحتية الصحية، من خلال إنشاء مستشفيات حديثة مجهزة بأحدث التقنيات الطبية، والتوسع في شبكة مراكز الرعاية الصحية الأولية، التي ارتفع عددها من (899) مركزًا في عام 1400هـ إلى (1,250) مركزًا عام 1402هـ، بنسبة زيادة بلغت 39%.

كما ركزت الخطط الصحية على تعزيز الطب الوقائي، عبر دمج الخدمات العلاجية والوقائية ضمن المراكز الصحية، مما أسهم في تحسين الصحة العامة وتقليل معدلات انتشار الأمراض. وتم إدخال مفهوم "الرعاية الصحية الأولية"، حيث أُنشئت مراكز متخصصة تقدم خدمات متكاملة، مما جعل الرعاية الطبية أكثر شمولية وسهولة في الوصول لجميع فئات المجتمع.

ومن أبرز الإنجازات في هذا العهد، إنشاء مدينة الملك فهد الطبية بالرياض، والتي أصبحت مركزًا طبيًا متكاملًا يضم مستشفيات متخصصة في أمراض القلب، الأورام، والتأهيل الطبي، مما عزز كفاءة القطاع الصحي وأسهم في تطوير الخدمات الطبية التخصصية في المملكة.

 

الصحة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز (2005 - 2015م):

شهد عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- نهضة شاملة في مختلف المجالات، كان من أبرزها القطاع الصحي الذي حظي باهتمام كبير، مما أدى إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وتوسيع نطاقها. شملت هذه النهضة إنشاء مستشفيات وأبراج طبية حديثة، بالإضافة إلى تطوير وتحسين المنشآت الصحية القائمة. كما تم تدشين مدن طبية متقدمة في مختلف مناطق المملكة لتوفير رعاية صحية متخصصة بمواصفات عالمية.

 

وفي إطار التوسع في الخدمات الصحية، تم افتتاح 74 مستشفى جديدًا بسعة 7,402 سريرًا خلال الفترة من عام 1426هـ إلى 1434هـ، ليصل إجمالي عدد المستشفيات إلى 259 مستشفى، مما عزز من القدرة الاستيعابية للقطاع الصحي. كما تم إنجاز 769 مركزًا للرعاية الصحية الأولية ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى توفير الخدمات الصحية لجميع المواطنين والمقيمين في مختلف مناطق المملكة.

 

لم يقتصر التطور في عهده -رحمه الله- على البنية التحتية فقط، بل شمل أيضًا تطوير الكوادر الطبية وبرامج التدريب، وتعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة في المجال الصحي، مثل اعتماد الملف الصحي الإلكتروني وتطوير أنظمة المعلومات الصحية، مما ساهم في تحسين كفاءة الخدمات المقدمة. كان لهذه الجهود دور بارز في رفع مستوى الرعاية الصحية في المملكة، ووضع أسس قوية لمواكبة رؤية المملكة 2030.

 

 

الصحة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-:

قد شهد هذا العهد الميمون تحولات استراتيجية واعدة تمثلت في الرؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني التي جسدت حرص القيادة الحكيمة على احداث نقلة نوعية في مناحي الحياة كافة، في عام 2017 تمت موافقة الملك ســـلمان بن عبد العزيز على خصخصة المؤسســـات الصحية، والعمل على برنامج شامل للتأمين على المواطنين. وتســـتهدف وزارة الصحة رفع مساهمة القطاع الخاص في الإنفاق على الرعاية الصحية من %25 إلى %35.

وقد قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية  «إن الـــدول الناجحة عالميًا تجد فيهـــا القطاع الصحي مخصخصًا حيث كل المستشـــفيات مملوكة إما لقطاع خاص أو لقطاع غير ربحـــي »

وتم تزويد هذا القطاع بأفضل تقنية حديثة في التشـــخيص والعلاج وإقامه المستشفيات والمرافق الصحية المتنوعة والمتعددة وتوفير الدواء رغم اتساع رقعة البلاد وامتداد الحدود وانتشار المواطنين في المدن والقرى والهجر. وتستمرجهود وزارة الصحة عامًا بعد عام في تطوير نظم المراقبة الوبائية للأمراض المعدية في المملكة والارتقاء بأعمال السيطرة والمكافحة، وصولا ً لاستئصال تلك الأمراض والقضاء عليها، ونتيجة للجهود المتواصلة عبر الســـنوات الماضية نجد أن وبائيات العديد من الأمراض المعدية بدأت في الانحصار في الســـنوات الأخيرة. ومن المبادرات التي قدمتها المملكة العربية السعودية لتسهيل الحصول على الخدمات الصحية المركز السعودي للمواعيد والأحالات الطبية الأولية والتي تهدف الى تسهيل الحصول على الاستشارة مع التخصص الطبي المطلوب،ولتعزيز الوقاية ضد المخاطر الصحية أقامت المملكة مبادرة حصن والتي تهدف الى خفض معدل الإصابات بالأمراض المعدية وغيرها من المبادرات التي تخدم المملكة وشعبها لتحقيق حياة هنيئة ولتطوير جودة الخدمات الصحية في المملكة العربية السعودية.

«هدفي الأول أن تكون بلدنا نموذجًا ناجحًا ورائداً في العالم على كافة الأصعدة»

الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود

«إن مســتقبل المملكــة مبشــر وواعــد، وتســتحق بلدنــا الغاليــة أكثــر ممــا تحقــق. لدينــا قــدرات ســنقوم بمضاعفــة دورهــا وزيـادة إسـهامها فـي صناعة هذا المسـتقبل»

الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود

 

الخدمات الصحية للحجاج والمعتمرين:

أولت المملكة العربية السعودية صحة الحجاج والمعتمرين اهتمامًا بالغًا منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، واستمر هذا النهج في عهد الملك فهد -رحمه الله-، حيث شهدت الخدمات الصحية المقدمة لضيوف الرحمن نقلة نوعية غير مسبوقة. فقد تم إنشاء مستشفيات ومراكز صحية متكاملة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والمشاعر المقدسة، إلى جانب تطوير الخدمات الإسعافية لضمان سرعة الاستجابة للحالات الطارئة.

شملت هذه الجهود إنشاء مستشفى الطوارئ بمنى ومستشفى عرفات، بالإضافة إلى تجهيز المستشفيات الأخرى في مكة والمدينة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الحجاج. كما زُوّدت هذه المنشآت بأحدث الأجهزة الطبية، مع زيادة أعداد الفرق الطبية المتخصصة، التي كانت تعمل على مدار الساعة لضمان تقديم الرعاية الصحية الفورية لكل من يحتاجها.

وعلى الصعيد الوقائي، أطلقت وزارة الصحة برامج شاملة لمكافحة الأمراض المعدية خلال موسم الحج، تضمنت التطعيمات الإلزامية للحجاج، وتكثيف الفحوصات الطبية في المنافذ الجوية والبرية، مما أسهم في الحد من انتشار الأوبئة. كما تم تفعيل فرق الرصد الوبائي لمتابعة الوضع الصحي للحجاج والتدخل الفوري عند ظهور أي أعراض مرضية، لضمان تجربة حج آمنة وصحية.

 

أخيرًا بدأت المملكة العربية السعودية رحلتها الصحية من الطب الشعبي إلى بناء نظام صحي متكامل يعتمد على أحدث التقنيات الطبية. ومنذ عهد الملك عبدالعزيز، كان لكل ملك بصمته الخاصة في تطوير القطاع الصحي، مما جعل المملكة اليوم من الدول الرائدة في مجال الرعاية الصحية.

هذا التطور المستمر يعكس رؤية المملكة في تحقيق أفضل الخدمات الصحية لمواطنيها وضيوفها، وهو ما يستمر حتى يومنا هذا في ظل رؤية 2030، التي تهدف إلى تحقيق نهضة شاملة في قطاع الصحة.

المراجع :

كتاب ذاكرة الصحة من وزارة الصحة

كتابة المحتوى:

جمانه الغوينم

أبرار الحارثي

ليان الزغيبي

آلاء الحماد

 

مراجعة وتدقيق:

روان الاحمري

What's Your Reaction?

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow