اللوكيميا

المقدمة:
تُعد اللوكيميا أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين الأطفال، شهدت معالجة اللوكيميا في الطفولة تغييرات جذرية على مدار الخمسين عامًا الماضية. اليوم، يتم شفاء حوالي 90% من الأطفال من هذا المرض الذي كان في السابق مميتًا. رغم ذلك، العديد من الأطفال يعانون من مضاعفات طويلة الأمد، مما يجعل جهود الوقاية الأولية أمرًا ضروريًا.
لمحة عن المرض:
في البداية يُعَد ابيضاض الدم اللمفاوي الحاد من الأنواع الأكثر شيوعًا لسرطان الطفولة. ينطوي ابيضاض الدَّم اللِّمفاوي الحادّ acute lymphocytic leukemia على خلايا أولية للغاية، وهي خلايا كان يفُترض أن تتحول إلى خلايا لمفية طبيعية، لكنها بدلًا من ذلك تتحول إلى خلايا سرطانية، ويعد هذا النوع مهددًا للحياة.
ونظرًا إلى شيوع الإصابة به يتم تشخيص نحو 3000 طفل ومراهق أقل من 20 عامًا بابيضاض الدم اللمفاوي الحاد سنويًا في الولايات المتحدة.
تشير البداية المبكرة لـسرطان الدم -عادة قبل سن الخامسة- وأيضًا وجود تغيرات جينية تمهّد الإصابة باللوكيميا إلى أن الأحداث قبل الولادة وبعدها تلعب دورًا حاسمًا في تقدم المرض. على عكس معظم سرطانات الأطفال، هناك تزايد في الأبحاث -في الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي- التي تربط بين عدة عوامل خطر بيئية، عدوى، وغذائية في مسببات اللوكيميا لدى الأطفال، خاصةً اللوكيميا اللمفاوية الحادة. على سبيل المثال، التعرض للمبيدات الحشرية، دخان التبغ، المذيبات، وانبعاثات المرور يؤدي الى خطر تطوير اللوكيميا لدى الأطفال. بالمقابل، أظهرت تناول الفيتامينات وتناول حمض الفوليك خلال فترة ما قبل الحمل أو أثناء الحمل، والرضاعة الطبيعية، والتعرض للعدوى الروتينية في مرحلة الطفولة، أنها تقلل من خطر اللوكيميا لدى الأطفال.
والجدير بالذكر مساهمات الدراسات الجينومية الآن في تصنيف سرطان الدم إلى فئات فرعية واللتي أظهرت تفاعلًا وثيقًا بين التعديلات الجينية الموروثة والتعديلات الجينية الجسدية، العديد من هذه التعديلات لها تداعيات مهمة على التشخيص وتصنيف المخاطر لسرطان الدم فضلًا عن استخدامها وتطوير أساليب جديدة ومستهدفة للعلاج.
العلاج والوقاية:
من المهم أن نذكر أن سرطان الدم اللمفاوي الحاد يُعد من أبرز قصص النجاح في علاج السرطان، حيث تصل نسبة الشفاء إلى حوالي 90% بسبب العلاج الكيميائي. رغم ذلك، يظل هذا العلاج مؤلمًا ومتعبًا للأطفال وأسرهم، لذا فإن الوقاية، إذا كانت ممكنة، هي الخيار الأفضل.
على الرغم من أنه يمكن تقليل خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان عند البالغين فوق 18 عامًا من خلال تغييرات في نمط الحياة مثل التوقف عن التدخين، إلا أنه لا توجد طرق معروفة لتجنب معظم أنواع سرطانات الأطفال. وغالبًا يكون لدى الأطفال الذين يعانون سرطان الدم عوامل خطر معروفة، مما يشير إلى أنه لا توجد طريقة مضمونة لتجنب ظهور هذه السرطانات إلى الآن.
يشمل علاج سرطان الدم ثلاث مراحل رئيسية، وهي:
المرحلة الأولى: علاج تحفيز الشفاء
يشمل علاج تحفيز الشفاء ثلاثة أدوية هي الجلوكوكورتيكويد (مثل بريدنيزون أو ديكساميثازون)، فينكريستين، وأسپاراجيناز، أو يمكن أن يشمل أربعة أدوية إذا أضفنا الأنثراسيكلين. يتم إعطاء هذه الأدوية لمدة 4 إلى 6 أسابيع، مما يساعد حوالي 98% من الأطفال المرضى على الشفاء التام.
المرحلة الوسطى: علاج التعزيز (التكثيف)
بعد مرحلة التحفيز التي يتم فيها استخدام 3 أو 4 أدوية، تأتي مرحلة التعزيز التي تعتمد على أدوية مثل
Cyclophosphamide وCytarabine وMercaptopurine.
علاج التعزيز ويتبعه علاج إعادة التحفيز (التكثيف المتأخر)، والذي يشمل أدوية مشابهة لتلك المستخدمة في المرحلتين IA وIB. يُعتبر هذا العلاج جزءًا أساسيًا من علاج. ALL للمرضى الذين لديهم مخاطر قياسية وعالية
المرحلة الثالثة: علاج المداومة
أظهرت دراسة أن الاستمرار في علاج المداومة بعد السنة الأولى من التشخيص ارتبط بزيادة معدل الانتكاس على المدى الطويل (38.8±2.8% بعد 12 عامًا من التشخيص)، رغم أن هذا النهج العلاجي أثبت فعاليته لدى أكثر من نصف الأطفال المصابين باللوكيميا اللمفاوية الحادة (ALL)يستمر علاج المداومة عادة لأكثر من سنة، حيث يتناول المريض ميركابتوبورين يوميًا وميثوتريكسات أسبوعيًا، وقد يضاف له فينكريستين وجرعات من الستيرويدات. أظهرت دراسة أن إكمال علاج الصيانة بعد سنة من التشخيص زاد نسبة الانتكاسات (38.8±2.8% بعد 12 عاماً من التشخيص)، رغم أن هذه الطريقة كانت فعالة مع أكثر من نصف الأطفال المصابين بـ ALL. كما أن بعض الفئات الجينية مثل TCF3-PBX1 وETV6-RUNX1 كانت مرتبطة بفترة طويلة من البقاء دون مرض.
عندما يقل الالتزام بتناول جرعات ميركابتوبورين عن 95%، يرتفع معدل الانتكاسات بمعدل يصل إلى 2.7 مرة مقارنةً بالالتزام الذي يبلغ 95% أو أكثر. لذا، يُعتبر من الضروري أن يلتزم الأطفال بتناول جرعاتهم اليومية في أوقات محددة وثابتة كل يوم.
- العلاج الموجه للجهاز العصبي المركزي
بسبب المخاطر المرتبطة بالمشكلات العصبية والاضطرابات الهرمونية والسرطانات الثانوية، قُلِّل الاعتماد على الإشعاع الموجه نحو الدماغ واستبداله بالعلاج الكيميائي الذي يُقَدَّم عبر السائل الشوكي. كما اُسْتُخْدِم أدوية كيميائية تؤثر في الجهاز العصبي المركزي، مثل ديكساميثازون وميثوتريكسات بجرعات مرتفعة وأسباراجيناز. وقد أظهرت دراسة عالمية أن الإشعاع على الدماغ ساهم في تقليل حالات الانتكاس في الجهاز العصبي المركزي لدى المرضى الذين ظهرت لديهم إصابات في الجهاز العصبي عند التشخيص الأول، إلا أن النسب العامة لأي حادث ومعدل البقاء على قيد الحياة كانت مشابهة لتلك المسجلة لدى المرضى الذين لم يتلقوا العلاج الإشعاعي.
- العوامل المستهدفة جزيئيًا
بدأت تتجلى أمامنا آفاق جديدة تستهدف الطفرات الجينية، هذه الآفاق تثير الحماس، إذ قد يكون لها القدرة على تعزيز أو حتى استبدال العلاجات الكيميائية التقليدية، مما يسهم في تقليل الآثار الجانبية غير المرغوب فيها.أظهرت إضافة دواء إيماتينب نتائج مماثلة لدى الأطفال المصابين بسرطان الدم اللمفاوي الحاد من النوع الإيجابي لبروتين فيلادلفيا (PH+)، مقارنةً بالنتائج التي تحققت لدى المرضى الذين خضعوا لزراعة نخاع العظم بعد تلقيهم علاجًا كيميائيًا مكثفًا.وفي هذا السياق، برزت أدوية جديدة، حيث أكدت دراسة أن الأطفال الذين تناولوا جرعة يومية من دواء مأساتين، الذي يُظهر فعالية أكبر في مواجهة BCR-ABL1، حققوا نتائج أفضل في البقاء على قيد الحياة والسيطرة على المرض مقارنةً بالمرضى الذين تناولوا إيماتينيب يوميًا.
- العلاج المناعي
يمكن استخدام العلاج المناعي بطرق شتى، حيث تشمل هذه الأساليب العلاج الذي يعتمد على الأجسام المضادة، وكذلك العلاج القائم على الخلايا التائية لقد أثمرت هذه العلاجات في تعزيز استجابة المرضى وتحقيق نتائج مبهرة في حالات B-ALL المتكررة أو المقاومة للعلاج. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت الأجسام المضادة، التي تستهدف CD38، وخلايا CAR T التي تستهدف CD1a وCD5 وCD7، من تحقيق نتائج إيجابية أيضًا في حالات T-ALL وفقاً للأبحاث.
دراسات ونسب:
في السنوات الأخيرة، ومع العلاجات الحديثة والأدوية المبتكرة أصبحت الزيادة ملحوظة في معدلات البقاء على قيد الحياة، وهو ما يُعدّ إنجازًا إيجابيًا وتطلعات لمستقبل أكثر فعالية، أكدت دراسات عالمية أن نسب الشفاء وصلت ل80٪ خصوصاً للأطفال الذين شُخِّصوا بسرطان الدم اللمفاوي الحاد (ALL).
وفي المملكة العربية السعودية، بسبب التقدم في تقنيات التشخيص والعلاج على مدى العقود الماضية، ارتفعت معدلات البقاء على قيد الحياة لمعظم أنواع سرطان الدم. يُعتبر معظم الأطفال المصابين بسرطان الدم قد شفيوا بعد خمس سنوات من العلاج، حيث من غير المحتمل أن تعود الحالة بعد تلك الفترة.
وبناءً على المعهد الوطني للسرطان (NCI)، فإن معدل البقاء النسبي لمدة خمس سنوات لجميع أنواع سرطان الدم يبلغ نحو 65%، ومع ذلك، ما زال بعض الناجون يواجهون مشكلات صحية مستمرة، أو ربما تحدث انتكاسات، ولكن بنسبة قليلة.
احتماليات مستقبلية؛
لا تزال الدراسات والأبحاث والتجارب قائمة ومستمرة لإجاد طرق وعلاجات ممكنة للشفاء بإذن الله.
منها العلاجات الجينية التي يتم توجيه الجهود فيها لفهم الطفرات المُسببة للمرض على نحو أفضل واستهدافها بدقة.
أيضاً العلاج المناعي ومحاولة اكتشاف طرق جديدة لتحفيز جهاز المناعة لمهاجمة خلايا اللوكيميا بفعالية.
ولا يزال نقل الخلايا الجذعية جزءاً أساسياً من علاج بعض أنواع اللوكيميا والتطور في هذا المجال قد يساعد بتقليل المخاطر المرتبطة به وتحسين فرص العلاج.
ويبقى العلاج الكيميائي هو العلاج الأساسي لمعظم الأنواع، وتعمل الأبحاث إجراء تحسينات فيه.
والبحث عن أكثر مزيج فعال أو دمجه مع أدوية جديدة لزيادة فعاليته وتقليل مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج.
بوجهٍ عام التقدم في التكنولوجيا الحيوية والعلاجات الجديدة، وزيادة الفهم الجيني للمرض كلها تشير إلى أن احتمالات الشفاء والعلاج الفعال للوكيميا في المستقبل ستتحسن بشكل كبير، خصوصاً مع تطور أساليب التشخيص.
الخاتمة:
في الختام، يُعدّ ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد من أكثر أنواع السرطانات شيوعًا في مرحلة الطفولة، رغم ندرته النسبية. وغالبًا ما يرتبط هذا المرض بالتعرضات البيئية التي يواجهها الطفل. من الممكن الوقاية منه والحد من مخاطره منذ فترة الحمل، حيث إن الأعراض الأولية غالبًا ما تكون غير واضحة وغير محددة، مثل آلام العظام، مما يستدعي مراقبة دقيقة. ولكن، لحسن الحظ، بمجرد أن يتم التشخيص، ترتفع نسب الشفاء بفضل الله ثم الأساليب العلاجية الحديثة المخصصة لكل طفل على حدة، ويكون حدوث انتكاسات أو آثار جانبية على المدى الطويل أمرًا نادر الحدوث، على الرغم من أن رحلة العلاج قد تمتد لفترة طويلة.
نلهم كل من يقرأ ونذكُّـره أنه لا ابحاث ولا أرقام ولا علاجات فاعلة ما يفعله الأمل والثقة بالشفاء.
فإلى كل من مر بالألم ولا يزال حياً، ذاق جرعات الدواء ولا يزال واقفاً،
قوتك وتفاؤلك ورباطة جأشك واهمها ثقتك بربك هي أعظم سلاح ضد مرضك.
وتذكر في كل حالاتك قول النبي صلى الله عليه وسلم : «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سَرَّاء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضَرَّاء، صبر فكان خيرا له» [رواه مسلم]
فكل ما أصابك من بلاء خير لك، وكل ما يقوله الأطباء غير مؤكد حدوثه لك.
فلا يُغرقك اليأس ولا يهزمك المرض، فربك لا يعجزه شيء، ولا يمتنع عنه شيء
توكل عليه وأحسن الظن به، وتعلق برحمته، وارفع من سقف آمالك مهما كانت الآمك.
المراجع
Pediatric Acute Lymphoblastic Leukemia: From Diagnosis to Prognosis
Clinical Epidemiology of Leukemia in The Western Region of Saudi Arabia: A Retrospective Study (2015-2021)
https://www.cancer.org/cancer/types/acute-myeloid-leukemia/about/new-research.html
- أمجاد الغامدي
-سعد العباد
-اشراق المنصور
- ريناد العتيبي
التدقيق والمراجعة:
لميس الغامدي
What's Your Reaction?






