من جذوره تبدأ الحكاية: أسرار الجينسنغ التي لم تُروَ بعد

رحلة عُشبة آسيوية… بين جذورٍ قديمة وأسئلة حديث

في ظلّ عصرٍ مليء بمشتّتات التركيز والذاكرة ومحفّزات التوتر، أصبح البحث عن حلول طبية — سواء كانت طبيعية أم مصنّعة — لتحسين الذاكرة وتقليل التوتر حاجةً ماسّة لدعم صحة العقل. أدّى هذا البحث إلى انتشار استخدام نبات الجينسنغ؛ فما هو الجينسنغ؟ وما علاقته بالذاكرة؟

يُعد جذر الجينسنغ الآسيوي أو الكوري — المعروف باسم "بانكس جينسنغ" — أحد أشهر الأعشاب الطبية المستخدمة في الطب التقليدي منذ أكثر من 2000 عام. يشيع استخدامه بشكل واسع في دول شرق آسيا مثل الصين وكوريا واليابان. كما أن كلمة "بانكس" مشتقّة من المصطلح الإغريقي الذي يعني "باناسيا" أي علاج لجميع الأمراض وطول العمر، ما يعكس إيمان الثقافات القديمة بقدرته على دعم صحة الإنسان ويُظهر خصائصه العلاجية المميزة.

يغطي الجينسنغ نطاقًا واسعًا من الاستخدامات منها: تعزيز وظائف الجهاز المناعي، دعم الجهاز العصبي، تخفيف التوتر، تقليل مستوى سكر الدم، وتحسين الوظائف الدماغية مثل التركيز والانتباه والذاكرة القصيرة والطويلة الأمد. وتُعزى هذه الفوائد إلى احتواء الجينسنغ على مركّبات فعّالة تُسمّى "الجينسنوسيدات"، وهي نوع من السابونينات النباتية (مركّبات طبيعية توجد في بعض النباتات وتمنحها خصائص علاجية).

???? أنواع الجينسنوسيدات:

تُقسم الجينسنوسيدات إلى نوعين رئيسيين حسب بنيتها الكيميائية:

• البروتوباناكساديول (PPD)

• البروتوباناكساتريول (PPT)

????أبرز التأثيرات الدوائية للجينسنغ:

يُظهر الجينسنغ تأثيرات مفيدة متعدّدة على أجهزة الجسم، ومنها:

• مكافحة السرطان

• خفض مستوى السكر في الدم

• مقاومة الالتهابات

• تنظيم الاستجابة للتوتر

• تعزيز جهاز المناعة

• تحسين وظائف القلب

• دعم الجهاز العصبي المركزي (CNS)

???? مكوّنات إضافية في الجينسنغ:

إلى جانب الجينسنوسيدات، يحتوي الجينسنغ على زيوت عطرية، أحماض أمينية، ببتيدات، فيتامينات، وبوليسكريات (أنواع من السكريات المعقّدة) مثل "Ginsenan S-IA" و"S-IIA"، التي أظهرت نشاطًا مناعيًا قويًا. إذ تساعد هذه البوليسكريات في زيادة قدرة الخلايا البلعمية (التي تبتلع مسبّبات الأمراض) وتنشيط المناعة الفطرية، وقد يكون لها أيضًا تأثيرات مضادة للأورام.

???? كيف يعمل الجينسنغ على تقوية جهازنا المناعي؟

الجينسنغ من الأعشاب الشهيرة التي استُخدمت منذ قرون لتعزيز الصحة والطاقة. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن له تأثيرًا مباشرًا على تقوية جهاز المناعة.

أولًا، المستخلص المائي للجينسنغ يحتوي على عناصر تساعد الجسم على رفع مستوى الخلايا المناعية وزيادة إنتاج مواد دفاعية مثل "الإنترفيرون ((IFN-γ " ”TNF-α", وهي بروتينات طبيعية ترفع قدرة الجسم على مقاومة العدوى. كما يمكن أن تحسّن فعالية اللقاحات — مثل لقاح الإنفلونزا — إذا استُخدم الجينسنغ معها.

ثانيًا، مركّبات السابونين في الجينسنغ تُساهم في تنشيط الخلايا التائية، وتقوية الدفاعات ضد الفيروسات والخلايا السرطانية. وبعض الأنواع مثل "Rg1" و"Rg3" تُحسّن الاستجابة للقاحات وتزيد من إنتاج الأجسام المضادة.

وأخيرًا، البوليسكريات الموجودة في الجينسنغ تدعم جهاز المناعة من خلال تنشيط خلايا الدم واستعادة المناعة بعد التعرّض للإجهاد أو العلاج الإشعاعي، إضافةً إلى رفع إنتاج مواد دفاعية مثل "أكسيد النيتريك" و"IL-12".

????هل يوقف الجينسنغ نمو الأورام؟ العلم يُجيب

يُظهر الجينسنغ قدرة واعدة في مكافحة السرطان وتقليل نمو الأورام وتحسين فعالية بعض العلاجات الكيميائية. تُعزى هذه الخصائص إلى مركّبات مثل "Rg3" و"Rh2" التي تساعد في قتل الخلايا السرطانية وتحفيز موتها المبرمج (Apoptosis). كما تعمل على إيقاف دورة انقسام الخلايا السرطانية، مما يحد من تطوّرها وانتشارها.

???? مقاومة السرطان المرتبط بالالتهاب:

الالتهابات المزمنة تُعتبر من العوامل المساعدة على تطوّر السرطان. المركّب "C-K" في الجينسنغ يقلل مستوى إنزيمات الالتهاب مثل "COX-2" و"NOS"، ويثبّط بروتين "NF-κB" الذي يُعد عنصرًا مهمًا في مسارات الالتهاب داخل الخلايا السرطانية.

???? منع الانتشار وتكوين الأوعية الدموية:

من المراحل المهمة في السرطان قدرته على الانتشار (Metastasis) عبر الدم أو اللمف. يُظهر "Rg3" قدرة على منع هذا الانتشار وتثبيط تكوين الأوعية الدموية الجديدة التي تغذّي الورم، مما يقلل حجمه ويحد من انتشاره لأجزاء أخرى من الجسم.

???? تعزيز العلاج الكيميائي ومقاومة الأدوية:

يمكن أن يكون الجينسنغ مكمّلًا للعلاج الكيميائي، إذ يُعزّز فعالية أدوية مثل "5-FU" و"Taxol" ويقلل الأعراض الجانبية. كما أن مركّبات مثل "Rg3" تقلّل من ظاهرة مقاومة الأدوية (MDR) من خلال زيادة تراكم الأدوية داخل الخلايا السرطانية عبر تثبيط بروتينات مثل "P-glycoprotein".

???? ماتقوله التجارب الواقعيه على البشر:

أظهرت بعض الدراسات في كوريا أن استهلاك الجينسنغ قد يخفض خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة تصل إلى 60–70%. ومع ذلك، دراسات أخرى مثل تلك التي أُجريت على نساء في شنغهاي لم تُظهر نفس التأثير، مما يشير إلى ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث.

???? أسرار الجينسنغ في ضبط السكر: هل يحل عُقد السكري؟

يُستخدم الجينسنغ تقليديًا في علاج مشاكل مثل داء السكري من النوع الثاني. إذ تُشير الدراسات إلى قدرته على خفض مستويات السكر في الدم أثناء الصيام وبعد الأكل، ودعم استخدام الأنسولين بشكل فعّال، مما يُسهّل انتقال السكر من الدم إلى الخلايا للحصول على الطاقة.

بعض أنواع الجينسنغ مثل الجينسنغ الأمريكي والجينسنغ الأحمر الكوري أظهرت نتائج واعدة في هذا المجال. إضافةً لذلك، قد يساعد الجينسنغ في تقليل الوزن وخفض الكوليسترول، ودعم الهضم والتمثيل الغذائي، وتحسين مستويات الطاقة وتقليل التعب، مما يجعله خيارًا طبيعيًا داعمًا عند دمجه مع عادات صحية وأدوية موصوفة.

???? حين يواجه الجينسنغ النسيان: أسرار تقوية الذاكرة:

يُظهر الجينسنغ تأثيرات إيجابية على الدماغ، خاصةً فيما يتعلق بتحسين الذاكرة والتركيز والحماية من أمراض التدهور العصبي مثل الألزهايمر. يُعزى هذا التأثير إلى "الجينسنوسيدات" التي تعزز الناقلات العصبية (المواد الكيميائية التي تدعم التعلّم والذاكرة) وتحمي خلايا الدماغ من التلف والالتهاب. كما يمكن أن يُساعد في إبطاء عملية فقدان الخلايا العصبية المرتبطة بالتقدّم في العمر.

تطرّقت الدراسات لحقائق مثل أن الجينسنغ قد يُساعد في الحد من آثار الألزهايمر من خلال مقاومة تراكم البروتينات الضارّة ودعم أنظمة الإصلاح الطبيعية في الدماغ.

ختامًا: 

تم استخدام الجينسنغ كدواء شعبي لآلاف السنين للحفاظ على مقاومة الجسم للعوامل الضارّة وللحفاظ على التوازن الداخلي. وشملت فوائده تحسين الوظائف الجسدية والحيوية العامة، ومقاومة الشيخوخة. حيث أظهر الجينسنغ ومركّبات الجينسنوسيد فوائد للمناعة، والسرطان، والسكري، ووظائف الجهاز العصبي المركزي، وحالات أخرى. ورغم فوائده الواعدة، يبقى استهلاكه جزءًا من نمط حياة صحي، ولا يُغني عن استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل الاستخدام، خاصةً لمن يعانون من أمراض مزمنة.

كتابة المحتوى:

وجين الرويلي

أفنان الحسيني

محمد الحنفوش

سلطان عواد

نوره المسيليم

تدقيق ومراجعة:

يعقوب بن نحيت