التأمل بين العلم والتجربة: كيف يؤثر على التوتر والصحة النفسية؟

التأمل بين العلم والتجربة: كيف يؤثر على التوتر والصحة النفسية؟

في عالمنا الحديث، يعاني الكثير من الأشخاص من التوتر والقلق بسبب ضغوط الحياة اليومية. يبحث الأفراد عن وسائل طبيعية وآمنة لتحسين صحتهم النفسية والجسدية، ويُعد التأمل من أكثر الأساليب شيوعًا التي يلجأ إليها الناس لهذا الغرض. تُدمج تقنيات التأمل في العلاجات الغذائية والحركية، حيث تساهم في تقليل القلق، والتوتر، والاكتئاب. تشير الدراسات إلى أن التأمل قد يساعد في تقليل التوتر وتعزيز الصحة العقلية، لكن مدى فعاليته مقارنةً بطرق العلاج التقليدية لا يزال محل نقاش علمي. في هذه المقالة، نستعرض نتائج دراسة تحليلية منهجية حول تأثير التأمل على التوتر، والاكتئاب، والألم، والصحة العامة.

استندت الدراسة إلى مراجعة وتحليل تلوي لـ 47 تجربة عشوائية محكمة شملت 3,320 مشاركًا، حيث تم تقييم تأثير برامج التأمل المختلفة، مثل التأمل القائم على اليقظة الذهنية (MBSR) والتأمل التجاوزي (TM) وتأمل المانترا، على عدة جوانب نفسية وصحية مثل القلق، والاكتئاب، والألم، وجودة النوم، والتركيز.

أظهرت الدراسة أن التأمل القائم على اليقظة الذهنية (MBSR) يقلل بشكل معتدل من مستويات القلق والتوتر، حيث لوحظ تحسن لدى المشاركين بعد 8 أسابيع من الممارسة المنتظمة، واستمرت بعض الفوائد لمدة 3-6 أشهر، أما فيما يخص الاكتئاب، فقد تبين أن التأمل يساعد في تخفيف الأعراض، لكن التأثير كان متوسطًا إلى ضعيف من حيث الدلالة الإحصائية، وكانت الأدوية المضادة للاكتئاب أكثر فعالية، مما يشير إلى إمكانية استخدام التأمل كوسيلة مكملة للعلاج وليس بديلًا أساسيًا. وبالنسبة للألم وجودة الحياة، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن التأمل قد يساعد في تقليل شدة الألم، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من آلام مزمنة، مثل آلام العضلات أو متلازمة القولون العصبي. أما فيما يتعلق بالنوم والتركيز وفقدان الوزن، فلم تجد الدراسات أدلةً قويةً على أن التأمل يحسن جودة النوم أو يزيد من التركيز بشكل ملحوظ أو يساعد في فقدان الوزن مقارنةً ببرامج أخرى، مما يعني أنه لا يمكن اعتباره حلاً فعالًا لهذه المشكلات.

أظهرت الدراسات أن التأمل القائم على اليقظة الذهنية (MBSR) كان الأكثر فعالية في تحسين التوتر والاكتئاب مقارنةً بالأنواع الأخرى من التأمل. في المقابل، لم تثبت تقنيات التأمل التجاوزي (TM) وتأمل المانترا فعاليتها بشكل كبير في تقليل التوتر أو تحسين الصحة العامة. وعند مقارنة التأمل بطرق أخرى، مثل التمارين الرياضية أو العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، لم يكن التأمل أكثر فعاليةً، لكنه قد يكون وسيلة مساعدة وداعمة وليس بديلًا عن العلاجات التقليدية. ومن حيث السلامة والآثار الجانبية؛ لم تسجل الدراسة أي آثار جانبية خطيرة مرتبطة بممارسة التأمل، مما يجعله خيارًا آمنًا للأفراد الذين يسعون إلى تخفيف التوتر بطرق طبيعية. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى دراسات طويلة الأمد لفهم تأثير التأمل بشكل أعمق على الصحة الجسدية والنفسية على مدى سنوات.

ختاماً، يعد التأمل وخاصة اليوغا واليقظة الذهنية، وسيلة مفيدة لكنها ليست حلًا سحريًا لتحسين الصحة النفسية. يمكن اعتباره جزءًا من نمط حياة متوازن يشمل ممارسة الرياضة، التغذية الصحية، والدعم النفسي. وعلى الرغم من فوائده، إلا أنه لا يمكن اعتباره بديلًا عن العلاجات التقليدية مثل العلاج الدوائي أو السلوكي المعرفي، بل يجب دمجه مع استراتيجياتٍ أخرى.

 

بعض طرق التأمل:

كل طريقة لها فوائدها، لذا اختر ما يناسبك وابدأ في دمج التأمل ضمن نهجك اليومي لتحقيق التوازن النفسي والجسدي.

 

التأمل القائم على اليقظة الذهنية (MBSR):

يعتمد التأمل القائم على اليقظة الذهنية على التركيز الواعي على اللحظة الحالية دون إصدار أحكام، مما يساعد في تقليل التوتر وتحسين الوعي الذاتي. يمكن ممارسته من خلال إيجاد مكان هادئ خالٍ من المشتتات، واتخاذ وضعية مريحة سواء بالجلوس أو الاستلقاء مع الحفاظ على استقامة الظهر. يبدأ التأمل بالتركيز على التنفس، من خلال ملاحظة دخول وخروج الهواء دون محاولة تغييره. عند تشتت الذهن، يتم توجيه الانتباه برفق إلى التنفس مجددًا دون مقاومة الأفكار. يمكن أيضًا ممارسة فحص الجسد (Body Scan)، حيث يتم توجيه التركيز تدريجيًا على أجزاء الجسم المختلفة لملاحظة أي إحساس أو توتر دون تغييره. تُستخدم الحواس كأداة للتركيز، مثل الشعور بالجلوس، سماع الأصوات المحيطة، أو ملاحظة حركة الهواء على البشرة. المفتاح الأساسي في هذه الممارسة هو قبول اللحظة الحالية كما هي، سواء كانت مشاعر الهدوء أو التوتر، دون محاولة مقاومتها. يمكن البدء بممارسة التأمل لمدة 5-10 دقائق يوميًا وزيادتها تدريجيًا حتى 20-45 دقيقة. يُمكن أيضًا دمج اليقظة الذهنية في الأنشطة اليومية مثل المشي، والأكل، أو حتى الاستحمام، من خلال الانتباه الكامل للتجربة الحسية لكل لحظة. تتمثل فوائد هذا التأمل في تقليل التوتر والقلق، تحسين التركيز والانتباه، تعزيز جودة النوم، وزيادة التحكم في المشاعر، مما يجعله أداة فعالة لتحسين الصحة النفسية والجسدية.

التأمل التجاوزي (Transcendental Meditation - TM):

يعتمد هذا النوع على تكرار مانترا (كلمة أو جملة قصيرة تُقال بصمت) لعدة دقائق يوميًا، بهدف الوصول إلى حالة من الاسترخاء العميق والوعي الهادئ. يجلس الممارس في مكان هادئ، ويغلق عينيه، ويردد المانترا بهدوء في ذهنه لمدة 15-20 دقيقة مرتين يوميًا. يساعد هذا النوع في تقليل التوتر وتحسين التركيز والصفاء الذهني، لكنه يتطلب تعلمه من خلال معلم متخصص.

تأمل المانترا (Mantra Meditation):

يشبه التأمل التجاوزي، لكنه أوسع نطاقًا، حيث يمكن تكرار أدعية وأذكار، عبارات تحفيزية، أو أصوات معينة مثل “أوم”. يتم التركيز على الاهتزازات الصوتية الناتجة عن تكرار المانترا، مما يساعد في تهدئة العقل وزيادة الشعور بالسلام الداخلي. يمكن ممارسة هذا التأمل في وضعية جلوس مريحة مع التنفس العميق والتركيز على الصوت أو الشعور الناتج عن التكرار.

 

 

إعداد: وسن إبراهيم، فاطمة الحربي، جنى الـ شيبان، نايف الحارثي

تدقيق ومراجعة: ريما العقل

What's Your Reaction?

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow