المضادات الحيوية للعدوى الفيروسية

قد يخطر ببالنا لماذا لا يصف لنا الأطباء المضادات الحيوية رغم إصابتنا بالحمى والسعال؟
لذا، سنسعى في هذه المقالة بإلقاء الضوء على بعض هذه الأسباب التي تُقيِّد استخدام المضادات الحيوية وتحذر من الاستخدام المفرط والأعمى لها.
مقدمة
تُعرف المضادات الحيوية بقدرتها على القضاء على الميكروبات والتخلص منها، وقد أحدث اكتشافها تغييرات هائلة في علاج الأمراض خاصة المعدية منها، وساعد في تحسين الحياة حيث زاد من عمر البشر مدة قد تصل إلى ٢٣ سنة. حيث تم استخدام أول مضاد حيوي تحت مسمى سلفرسان في عام ١٩١٠، واكتُشِف البنسلين في عام ١٩٢٨، إلا أن اكتشاف المزيد من المضادات بدأ يتراجع ببطء، وظهور الميكروبات المقاومة للأدوية الشائعة بدأ يتزايد ويتسبب في أزمة.
نستطيع اختصار معنى المقاومة الميكروبية بعدم قدرة المضادات الحيوية في صد سلالات معينة، ويرجع السبب إلى التغيرات التي تحدث في هذا الميكروب بهدف التكيف والبقاء.
خلال العقد الماضي، ساهم الاستخدام المتزايد للمضادات الحيوية في الأطفال والبالغين في ارتفاع معدل مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية. حيث يتم وصف جزء كبير من المضادات الحيوية للعدوى الفيروسية التي لا تعالج بتلك المضادات، فعلى سبيل المثال، ٤٣٪ من الوصفات الطبية للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة تفتقر إلى مبرر وسبب واضحين.
فمثلًا تلعب الإنفلونزا دورًا كبيرًا في زيادة حالات الدخول إلى المستشفيات والوفيات، خاصةً خلال فترات التفشي، حيث يتأثر كبار السن والأطفال بشكل خاص. ويرجع هذا التأثير في الأساس إلى الالتهابات البكتيرية الثانوية، التي تشمل الالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية لدى البالغين والتهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال. ومع ذلك، فإن معدل وصف المضادات الحيوية لمرضى الإنفلونزا غالبًا ما يتجاوز الحاجة الفعلية.
لذا، نظرًا للتحدي الكبير المتمثل في مقاومة مضادات الميكروبات، فمن المهم استكشاف ما إذا كانت المضادات الحيوية يمكن أن تقلل من معدلات الشفاء أثناء الأنفلونزا.
ما هي الالتهابات البكتيرية الثانوية في حالات الإنفلونزا؟
عادةً ما تصيب الالتهابات البكتيرية الثانوية الناجمة عن إنفلونزا الجهاز التنفسي، حيث تصبح الرئتان والشعب الهوائية أكثر عرضة للإصابة بالبكتيريا بعد التعرض للفيروس. وترتبط هذه القابلية المتزايدة لالتصاق البكتيريا بالغشاء المخاطي المتضرر في الجهاز التنفسي وتراجع وظائف الجهاز المناعي بفعل الفيروس. كما تؤدي بعض الإنزيمات المرتبطة بالإنفلونزا إلى تعزيز التصاق البكتيريا.
تختلف معدلات الالتهابات البكتيرية الثانوية المرتبطة بالإنفلونزا حسب الفئات السكانية والسلالات الفيروسية. وتتنوع معدلات الإصابة بالالتهابات الثانوية مثل التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي بشكل كبير حسب الموسم والسكان. ويكون الأفراد المسنون وذوو الحالات المرضية المزمنة أكثر عرضة للخطر، وقد أظهرت فترات تفشي المرض في دور الرعاية معدلات مرتفعة للإصابة بالالتهاب الرئوي البكتيري.
بالنسبة للأطفال، يُعتبر التهاب الأذن الوسطى الالتهاب البكتيري الأكثر شيوعًا المرتبط بالإنفلونزا، حيث يصيب ما يصل إلى ٢١% من الحالات في بعض الدراسات. تؤدي الالتهابات الثانوية إلى زيادة الطلب على المضادات الحيوية، وتمثل جزءًا كبيرًا من الاستخدام الموسمي للمضادات. وقد أظهرت جائحة الإنفلونزا ١٩١٨-١٩١٩ التأثير الفتاك لمثل هذه الالتهابات، حيث ساهم الالتهاب الرئوي البكتيري الثانوي في ارتفاع معدل الوفيات.
بعض الدراسات التي تم تقديمها ركزت على فحص تأثير وصف المضادات الحيوية مع الأدوية المضادة للإنفلونزا في العيادات الخارجية، وركزت على أخطار البقاء بالمستشفى ومدته نتيجة الالتهاب الرئوي. فيما يلي أهم النتائج التي تم الوصول إليها:
النتائج الرئيسية:
١- زيادة أخطار البقاء في المستشفى مع المضادات الحيوية:
المرضى الذين وُصف لهم دواء مضاد للإنفلونزا بالإضافة إلى مضاد حيوي كان لديهم خطر استشفاء أعلى بشكل ملحوظ مقارنةً بالذين وُصف لهم دواء مضاد للإنفلونزا فقط. قد يُشير هذا إلى أن الأطباء قد وصفوا المضادات الحيوية للمرضى الذين كانت أعراضهم أكثر حدة، الذي زاد من احتمالية دخولهم المستشفى.
٢- تأثير المضادات الحيوية مع الأدوية المضادة للإنفلونزا الفيروسية:
بيراميفير: في المرضى الذين استخدموا البيراميفير (وهو دواء مضاد للإنفلونزا يُعطى عن طريق الحقن الوريدي)، كان إضافة المضاد الحيوي مرتبطة بتقليل أخطار الدخول للمستشفى. هذا قد يشير إلى أن المرضى الذين يتلقون البيراميفير قد يكونون أكثر مرضًا ويحتاجون إلى المضادات الحيوية للوقاية من العدوى البكتيرية الثانوية.
أوسيلتاميفير وزاناميفير: في المقابل، فإن المرضى الذين استخدموا الأوسيلتاميفير أو الزاناميفير (الأدوية المضادة للإنفلونزا الفموية أو المستنشقة)، كان إضافة المضاد الحيوي مرتبطًا بزيادة مخاطر البقاء في المستشفى. قد يكون ذلك بسبب وجود عوامل أخرى تزيد من شدة المرض وتجعله يحتاج إلى المضاد الحيوي.
٣- المضادات الحيوية الماكروليدية:
بين المضادات الحيوية التي تم تحليلها، كانت المضادات الحيوية من نوع الماكروليد مرتبطة بأقل خطر لدخول المستشفى. الماكروليدات تقضي على العديد من الميكروبات الممرضة، وقد تساعد في تقليل مخاطر البقاء في المستشفى إذا تم استخدامها بشكل مناسب.
٤- مدة البقاء في المستشفى:
بشكل عام، كانت مدة البقاء في المستشفى بسبب الالتهاب الرئوي أطول في المرضى الذين صُرف لهم مضادًا للإنفلونزا بالإضافة إلى مضاد حيوي، لكن هذا لم يكن ذا دلالة إحصائية. ومع ذلك، قد يشير ذلك إلى أن استخدام المضادات الحيوية قد يكون مرتبطًا بالحالات الأكثر شدة التي تستدعي بقاء المرضى في المستشفى لفترةٍ أطول.
وكان الاستثناء في المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين ٦٥-٧٤ سنة، حيث كانت مدة البقاء في المستشفى بسبب الالتهاب الرئوي أقصر بـ ٥.٢٤ أيام في الذين تم إعطاؤهم مضادًا حيويًا مقارنةً بالذين تم إعطاؤهم دواء مضاد للإنفلونزا فقط، رغم أن هذه النتيجة لم تكن ذات دلالة إحصائية مهمة.
٥- الفروق حسب الفئة العمرية:
الأطفال الأقل من سنتين: كان إضافة المضاد الحيوي مرتبطًا بانخفاض مخاطر البقاء في المستشفى بسبب الالتهاب الرئوي، وقد يرجع السبب إلى ضعف جهاز المناعة لديهم وزيادة تعرضهم للعدوى البكتيرية.
البالغون الأكبر سنًا (٦٥-٧٤ سنة): في هذه الفئة العمرية، أظهرت البيانات أن إضافة المضادات الحيوية قد تكون مفيدة في تقليل مضاعفات العدوى البكتيرية الثانوية، مما قد يحمي هؤلاء المرضى من مخاطر الالتهاب الرئوي.
لذا، فإن الدراسات تدعم ضرورة تجنب الوصفات الوقائية للمضادات الحيوية في حالات الإنفلونزا. على الرغم من أن استخدام المضادات الحيوية بشكل إضافي قد يكون له فائدة في بعض الحالات، خاصةً في كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة أو لم يتلقون لقاح الالتهاب الرئوي، إلا أن استخدام المضادات الحيوية يجب أن يكون مدروسًا بعناية لتجنب مقاومة البكتيريا وزيادة مخاطر البقاء في المستشفى غير الضرورية.
الحاجة في تقليل الاستخدام غير اللائق للمضادات الحيوية:
ساهمت المضادات الحيوية منذ اكتشافها في القرن العشرين في محاربة الأمراض المعدية، وهذا المكسب قد يتعرض للخطر بظهور الميكروبات المقاومة للمضادات الشائع استخدامها. هكذا بدأ تطبيق استراتيجية الحد والاستخدام المعقول للمضادات أمرًا مهمًّا.
فالاستخدام غير اللائق والمفرط سبب في ظهور أنواع الميكروبات المقاومة للبنسلين وغيرها من المضادات بجانب العوامل الأخرى مثل أنواع السلالات والفصائل والتنوع السكاني. وهذا يزيد أهمية تثقيف وتوعية العاملين بالمجال الصحي بشكل خاص والمجتمع بشكل عام من تجنب وصف أو استخدام هذه المضادات عند عدم وجود سبب واضح أو حاجة.
استخدام المضادات الحيوية في علاج العدوى الفيروسية أمر خاطئ، حيث إن هذه المضادات لا تقضي ولا تؤثر على هذه الفيروسات، وقد تؤثر على بعض البكتيريا مسببةً مقاومة ضد هذه المضادات، وهذا ما أُثبِت مرارًا في عدة أبحاث تناولت استخدام المضادات في أمراض الجهاز التنفسي فيروسية المصدر، حيث ذكر المرضى عدم جدواها في التخفيف من الأعراض.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية هو صعوبة التمييز بين أمراض الجهاز التنفسي فيروسية المصدر وبكتيرية المصدر، فوجب التركيز على إيجاد وتطوير الاختبارات الدقيقة والسريعة للتعرف على المتسبب في هذه الأمراض وتقنين استخدام المضادات.
أدوية مضادة للفيروسات:
يرجع عدم وصف مضادات الفيروسات على نطاق واسع لمحدودية فعاليتها ومقاومة بعض أنواع الفيروسات لها، والسبب الأكثر شيوعًا هو قدرة جسد الشخص الطبيعي على القضاء عليها، حيث إن الاسترخاء وشرب الماء بانتظام وخفض الحرارة يساعد على تخفيف المرض، لذا يصف الأطباء هذه الأدوية للفئات التي تكون معرضة لأعراض أشد.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن أفضل طريقة لمنع الإصابة بالفيروسات الموسمية هي أخذ اللقاحات السنوية المخصصة لها.
وأخيرًا، فرضت المملكة العربية السعودية العقوبات الصارمة في مجال الأدوية وما زالت تسعى في تقنين صرف المضادات الحيوية للحد من ظهور الميكروبات المقاومة للبكتيريا التي أصبحت منتشرة بشكل كبير في المملكة، وتم تنظيم العديد من الحملات للتوعية والتثقيف من أضرار إساءة استخدام هذه الأدوية، ولكي تكتمل هذه الجهود وتلقى ثمراتها وجب علينا المساهمة في نشر الوعي واتباع الأنظمة والقوانين.
كتابة المحتوى:
- خلود وليد بخاري
- طاهرة بيت المال
- مضاوي نادر السيد
- راكان الشلوي
- صالح حنجور
تدقيق ومراجعة:
لمى الغامدي
What's Your Reaction?






